قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 26 يونيو 2014
حدثت في المقال السابق عن النقد كقيمة ثورية تميز معسكر المقاومة عن معسكر الطغيان. سواء كان هذا النقد موجهاً من كيان لآخر، أو نقداً ذاتياً داخل كل كيان.. وإن كانت أهمية النقد الذاتي داخل كل كيان عظيمة، فهل النقد من خارج الكيان له أهمية؟!
إن للنقد الموجه للكيان من خارجه عدة مزايا، منها أن التاريخ لن يُكتب بالشكل التقليدي الذي يستأثر بتدوينه كيان معارض أو نظام مستبد كلاهما يشيطن الآخر عبر روايات متعارضة تماماً، بل ستتوفر أكثر من رواية. ويمكن من خلال تتبع أشكال ومضامين النقد المختلفة الوقوف على زوايا أخرى تفسر ما جرى.
ومن مزايا النقد الموجه للكيان من خارجه تجنب حيل النقد الزائف، فالنقد الذاتي داخل الكيانات أحياناً يكون شكلياً مخادعاً، يهدف إلى إثبات أن هناك مراجعات، لكنه فعلياً بلا مضمون، وخاو من المراجعات. فبعد كل تقييم للموقف تأتي كلمة "لكن" التي تمحو ما قبلها. إنها "لكن التبريرية"، التي تعقب الاعتراف بالخطأ ومواطن القصور، لتؤكد أن ما جرى هو أفضل ما كان يمكن أن يحدث، ولو تعرض آخرون لنفس الموقف لاتخذوا نفس الإجراءات. إنها "لكن" اللعينة التي تقتل الخيال، وتحاصر البدائل، لتؤكد أن البشر – على اختلاف عقولهم – لو تعرضوا لنفس الموقف لسلكوا نفس الطريق.
كذلك من مزايا معارك النقد من خارج الكيان أنها لا ترحم، ولا تجامل، بل تبطش أحياناً. ورغم ما في ذلك من قسوة قد تكون لها آثار جانبية سيئة، مثل ضعف تماسك مكونات المجتمع المقاوم وتربص بعضها ببعض؛ إلا أنها لا تخلو من فائدة. فحتى لو كان النقد متحاملاً غير موضوعياً أقرب للرَدْح لا يرقى لأن يسمى نقداً، لكنه يقدم هدية أخرى، فهو يعبر عن الصورة الذهنية للكيان في عيون الآخرين، وهي صورة إن لم تكن صحيحة، فينبغي العمل على تغييرها في الأذهان، وعدم الاستهانة بها بحجة أن الآخرين يعلمون الحقيقة لكنهم يكيدون، بل يجب أخذ الأمر بمحمل الجد والحرص على استقصاء عدد الكيانات والأفراد الذين يحملون نفس الصورة الذهنية، فليس كل من لديه صورة ذهنية سيئة متآمراً أو مناكفاً، فكثيراً ما تقع على عاتقنا مسؤولية كيف يرانا الآخرون. وكثيراً ما يكون دورنا أن ننير عقول الآخرين.
كذلك من مزايا النقد الخارجي تأثر قرارات بعض الكيانات بهذه المعارك النقدية، التي يمكن أن تسبب حالة ثورية داخل قواعد الكيان، مطالبة بتصحيح الصورة، أو تغيير الموقف. لذلك تعمل لها حساباً، حتى وإن أدانتها من فرط ما تسببه من ضغوط. وإن كان النظام المستبد قد يتأثر بالضغوط؛ فإن كيانات المقاومة أيضاً كيانات بشرية تتأثر بالضغوط التي تمارس بينها. هذه الضغوط قد تدفع إلى بداية النقد الشكلي الداخلي، وربما يليه نقد جاد بدون "لكن". فالنقد الخارجي هو حالة من الاحتجاج التي قد تقود في النهاية إلى تغييرات داخل كيانات المقاومة.
إن التحدي الأكبر ليس في النقد الخارجي ذاته مهما حمل من آلام، ولكن في الموقف النفسي والذهني منه، في اعتباره إهانة بدلاً من النظر إليه كأحد معالم صحة مجتمع المقاومة. وعندما تدرك الكيانات المقاومة أن الأنشطة النقدية لا تقل أهمية عن أنشطة الحشد الجماهيري واكتساب أنصار جدد؛ تكون بذلك دخلت مرحلة جديدة من النضج العقلي، يتحمل فيها كل كيان – صادق في تطوير نفسه- النقد الموجه إليه من خارجه، ويتبع أحسن ما فيه، ولا تأخذه نزعة الثأر من الكيانات التي تخوض تلك المعارك معتبراً إياها معارك كيدية، فيواجهها بالعناد والإصرار على الفشل. بل يحرص على تطوير كيانه وتصحيح صورته الذهنية في عيون الآخرين، ويبذل تكلفة ذلك، مدركاً أن في معارك النقد لا مفر من النيران الصديقة.
وائل عادل
26-6-2014