قسم: مكتبة الأسئلة
أضيف بتاريخ: 3 مايو 2017
تتعدد الاختيارات أمام المجتمع للتفاعل مع الأوضاع التي يفرضها عليه النظام السياسي الديكتاتوري، فبعد أن تتم دراسة الواقع يقرر المجتمع إما أن يقاوم لتحقيق أهدافه وأحلامه، أو ييأس ويستسلم لمشاريع النظام.
1. مسار اليأس:
أ) أما الاستسلام فينبع من حالة اليأس التي قد تفرضها قسوة الممارسات القمعية. فتتخبط قوى المجتمع المقاومة في حالة من الفراغ يفرضها النظام الذي يسن القوانين المنظمة لعملية الصراع السياسي، والتي تعمل دائماً في صالحه، فيُحَرِّم على المقاومة الممارسات غير المقيدة بهذه القوانين، ويعاقبها بقسوة إذا كسرت هذه القوانين. فتستسلم المقاومة بشكل مباشر مذعنة إلى النظام وخادمة له. وقد تستسلم بشكل غير مباشر عبر ممارسة المعارضة المقننة ضمن الهامش المسموح به، وهو استسلام مقنع يوهم الأتباع بالحركة والبذل، لكنها حركة في المكان، تعكس حالة من دوران المقاومة في حلقة مفرغة نتيجة جهلها بقواعد الصراع السياسي، وقوانين التغيير داخل المجتمعات.
ب) أما وجه العملة الآخر لخيار الاستسلام فهو اللجوء إلى العنف غير المدروس كالتخريب، وإحراق المنشآت، وإشاعة الفوضى، بدون دراسة لتبعات هذا العمل أو الخطوة التالية له، وهو عنف يعكس اليأس، حيث لايرى المجتمع أمامه بديلاً آخر – أو هكذا يظن. وتتوقف قدرة العقل على التفكير في فلسفات واستراتيجيات وتكتيكات بديلة، فيتحقق للنظام الديكتاتوري مخططه المرسوم، حيث تصبح الفرصة سانحة لاستخدام القمع المقنن ضد المقاومة العنيفة لتصفيتها، وإرهاب المجتمع كي لا يفكر في تكرار محاولات التغيير.
2. مسار الخلاص الفردي:
وهو مسار لا ينوي السائر فيه عادة ممارسة الفعل السياسي، هو يبحث فقط عن النجاة قدر الإمكان من تعسف النظام، ويتمثل هذا المسار في التحايل اليومي على الظلم، من خلال التصرف الفردي والمؤسسي غير المعلن للعامة، وهو مايطلق عليه في اللغة الإنجليزية (Low – Profile action)، والبحث عن أساليب تقلل من خسائره في ظل المعاناة، وعلى أمل الحصول على قدر من الخلاص الفردي. مثل الامتناع عن دفع الضرائب، والتهرب من الخدمة العسكرية، وترويج الإشاعات، وتأسيس مؤسسات بدون تراخيص رسمية، وارتكاب مخالفات ثم التظاهر بالجهل بقوانين وسياسات الحكومة. وعادة ما تكون تلك الأنشطة فردية ومحلية ولا تنبع من دوافع سياسية، ولا تأتي في سياق عمل تغييري منظم ومقصود. فهي لا تزيد عن كونها محاولات فردية للتحايل على النظام وليس مقاومته أو شن الحرب عليه، والبحث عن أية فرصة للهروب من قبضته لا تسديد ضربات له، وهي وإن كانت تحدث بشكل طبيعي إلا أنه يمكن استثمارها من قبل المقاومة في عمل احتجاجي أو مقاوم.
أما إذا قرر المجتمع المقاومة من أجل إحداث التغيير فيلجأ إلى النضال السياسي الدستوري أو فوق الدستوري.
3. مسار النضال السياسي
وله أيضاً مستويات متعددة:
أ) النضال الدستوري أو السلمي عبر القنوات الرسمية باستخدام الطرق المقننة مثل التصويت، والاستفتاءات، والانتخابات، ورفع الدعاوى القضائية، والتي يُطلق عليها الوسائل السلمية الباردة. وهذه الوسائل تتوفر وتعمل بفاعلية في الدول ذات أنظمة الحكم التعددية أو الديمقراطية والتي تشهد بالفعل بناءً مجتمعياً قوياً وفاعلاً.
ب) النضال فوق الدستوري، ويشمل كلاً من العنف المدروس وحرب اللاعنف.
العنف المدروس: كالانقلابات العسكرية وحرب العصابات.
حرب اللاعنف: عبر استخدام أساليب الفعل غير المباشر كالتظاهرات، وأساليب اللاتعاون كالإضرابات وأساليب التدخل المباشر كإرهاق الإدارات الحكومية بالطلبات.
ولاختيار المسار الأفضل يتم دراسة جميع المسارات التي تفكر فيها قوى التغيير بحسب واقعها وأهدافها، وتدرس تكلفة كل مسار، وردرود الفعل المتوقعة عليه، ومدى قربه أو بعده من تحقيق الهدف النهائي، ثم في النهاية تختار المسار الأفضل، كم حيث قدرته على تحقيق الأهداف وتقلقلة التكلفة.
وحرب اللاعنف هي الجزء الذي يعنينا في هذه الدراسة من الخيارات السابقة.
من كتاب "أسلحة حرب اللاعنف" – أكاديمية التغيير